عدن، جمعية البحث العلمي:
شاركت الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة، السبت، بمداخلة تحت عنوان “لغتي – هويتي” (التعريب هوية وبُعد حضاري)، خلال ورشة علمية أقامتها كلية اللغات والترجمة في العاصمة عدن.
وترى الجمعية الوطنية للبحث العلمي بأن العلوم والابحاث العلمية كلما كانت بـ اللغة الأم كلما كانت اكثر جدوى وفائدة من استعمال لغات أجنبية كونها لا تحمل القوة التي تتميز بها اللغة الأم ويقول الله سبحانه وتعالى “بلسان عربي مبين” (الشعراء 195)، فهي لغة علم “وعلم آدم الاسماء كلها” (سورة البقرة آية -21) ان اللغة العربية بالدرجة الأساسية لغة علم ومعرفة وعمل منذ امد بعيد.
ونظرا للخصائص التي تتصف بها اللغة العربية فان الابحاث العلمية التي يجب ان تنتهجها الجمعية الوطنية للبحث العلمي يجب ان تكون باللغة العربية ومفرداتها واسعة ومعانيها جميلة، يقول الله في محكم كتابه عن الادعاء بانه غير منزل “ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين”.
الله عزوجل وصف بقية اللغات بالأعجمي، فنحن بحاجة الى شباب محبي للغة يعتزون بها ويجتهدون من اجلها ويهتمون بها واللغة العربية هي لغة حية تستوعب كل جديد من المفردات والاكتشافات والابداعات المتميزة وتستطيع لغتنا العربية ان تحتوي على كل العلوم بما فيها من مصطلحات عالمية جديدة، ونتائج بحثية مهمة في مختلف مجالات الحياة.
يقول الكاتب السوري اسماعيل العرفي “ان العربي يجهل اللغة العربية ولادة ونشأة، ويجهلها خصائص وسمات، ويجهلها علما وفنا، ويجهلها هدفا وغاية، ويجهلها قيمة وقدرا، ويجهلها مكانة ومنزلة، فهي فوق كل ذلك انها حقيقة فذة من حقائق القومية المطلقة الخالدة، وآية فريدة من آيات الانسانية المعجزة، فهي وجود وحياة رسالة وحضارة، قدر ومصير، وهي تتجسد كعبقرية خاصة موحاة، ونبوغ خصوصي ملهم، اذا على العربي كواجب ومسئولية والتزام ان يعرفها معرفة حقيقية واعية، يتسنى له ان يحبها ويعجب بها وان يقبل عليها ويعنى بها ويرعاها، وان يتشربها ويتمثلها ويعيشها” اللغة التي ينبغي لها أن تكون لغة البشرية جمعاء، يجب ان تكون أم اللغات قاطبة، كما يجب أن تكون أعرق وأكمل وأروع وأجمل و أجل وأنبل لغات العالم على الاطلاق، وبما ان الله سخر لها ان تكون لغة القرآن فلذا يجب ان تكون قادرة على بناء تلك الوحدة الكلية للمجتمعات البشرية، ومن ثم على انشاء ذلك السلام الحقيقي الحق للعالم باسره.
اللغة العربية لغة فذة فريدة في نوعها من حيث ولادتها وتكونها ونشأتها، ومن حيث مقوماتها ومكوناتها وعناصرها ومن حيث مبادئها وأسسها وقواعدها، ومن حيث نواميسها وسننها وقوانينها، ومن حيث خصائصها وسماتها ومميزاتها فنسيجها يكاد ان يكون نسيجا لامثيل له ولا شبيه له،
لقد حققت اللغة العربية في عصرها الحضاري الاسلامي وحدة البشرية وسلام العالم على الوجه الأمثل فنعمت البشرية آنذاك بالأمن والدعة والطمأنينة وها هي مدعوة من جديد لان تعيد اليوم ما كانت قد حققته بالأمس، اذ تتصف بمزايا وخصوصية تجعل منها هي: القدم، والتمام، والجمال، والقداسة، والخلود: واذا فسرنا هذه العناوين ستكون كالتالي:
قدم اللغة العربية: اللغة العربية لغة جدا قديمة – بل سحيقة القدم، وهي تضرب بقدمها الى وجود أول انسان – وجود ابو البشر آدم عليه السلام وكانت اللغة العربية هي لغة أهل الجنة – وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: “أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي” رواه الطبراني في المعجم الكبير. وبفضل هذه اللغة اضحت الأمة العربية هي الأمة التي عناها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز “كان الناس امة واحدة” وقدم اللغة العربية، ليست قدما تاريخيا أثريا ميتا، بل هو قدم وجودي حياتي حي، ينسحب على جميع الأزمنة، وهذا القدم ايضا يرتبط به قدمها السماوي غير المنظور، وهو قدم يرتبط بالقرآن الكريم، هذا الكتاب الالهي الكوني الخالد، الذي كان مكنونا في الأزل الغيبي بلغته العربية المثلى، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: “بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ” فقدم اللغة العربية هنا قدم ازلي، وهو مستمد من الوجود الأزلي للقرآن المجيد.
تمام اللغة العربية:
اللغة العربية لغة تامة كاملة، وتمامها تمام كلي شمولي جامع، يتمثل في تمام بنيتها الأولية الأصيلة، المتجلية في حروفها الهجائية، وصيغتها الصرفية، وقواعدها النحوية، وأبنيتها الجميلة، وألوانها البلاغية، واساليبها الانشائية، وأوزانها الشعرية، كما يتمثل أيضا في تمام ما بين مبانيها ومعانيها من توافق وتطابق، ومن تداخل وتشابك، ومن تفاعل وتمازج، ومن تلاحم وانصهار. فتمام اللغة يجمع جمعا تعادليا متناسبا بين الثبات والتجدد وبين الاصالة والحداثة، ان تحافظ على صيرورة ايجابية بناءة، وكينونة انشائية مبدعة، عبر مختلف العصور.
ان حيازة اللغة العربية على مثل هذا التمام الكلي الشمولي الجامع، يمنحها القدرة غير المحدودة على احتواء الفكر الانساني، والحياة البشرية، والجود الكوني، ان لغة قدرت لتمامها على احتواء ما دونهما، وتتيح هذه اللغة المجال واسعا لان تترجم اليها اية لغة من لغات العالم ترجمة عالية تفوق الأصل نفسه، فاللغة العربية هي وحدها من بين جميع لغات العالم التي بلغت من التمام اللغوي مبلغ الاطلاق، وفي هذا التمام الذاتي الوجودي لهذه اللغة، تكمن منابع الطاقة والقدرة والقوة فيها، ومن ثم تنبثق آيات البناء والانشاء والابداع منها.
جمال اللغة العربية:
اللغة العربية آية من آيات الجمال البديعي الساحر وهو جمال قدسي، وينبعث هذا الجمال البديعي الساحر للغة العربية مما جبلت عليه من فصاحة وبلاغة رائعتين، تتمثلان عموما فيما تتصف به باطنيا: من روحانية ومثالية وانسانية وحضارية، وفيما تتسم به ظاهريا: من ايجاز وتركيز، وتعدد وتنوع، وترتيب وتنظيم، وتناسق وتناغم، واتساق وانسجام، وجلاء ووضوح، وجمال وجاذبية، ورونق وصفاء، ورقة ونعومة، وشفافية ورهافة، وعذوبة ومرونة وليونة ودقة وغزارة، وقوة وحيوية، وتوهج وتألق وغيرها من سمات تعجز عن تعدادها الأقلام.
ان جمال اللغة العربية البديعي الساحر كان من فصاحتها وبلاغتها الرائعتين، فان هذا الجمال لا يتجلى في صورته المثلى الا اذا كانت هذه اللغة في اسلوبها الفصيح والبليغ، ولهذا ينتفي جمال اللغة العربية من الاساليب البعيدة عن الفصاحة والبلاغة، فان هذه اللغة تتأبى على الترجمة الى لغات اخرى، ذلك ان ترجمتها تذهب بجمالها البديعي الساحر، ومن هنا كان وجوب تحريم ترجمة القرآن الكريم – هذا الكتاب البياني الأمثل الذي بلغت فيه فصاحة اللغة العربية وبلاغتها وجمالها وسحرها مبلغ الاعجاز.
قداسة اللغة العربية:
اللغة العربية لغة مقدسة – قداسة سماوية مباركة، فهي اللغة المطلقة للبشر- بدءا ونهاية، دنيا وأخرى، فهي لغة الوحي والتنزيل وهي لغة الانبياء والمرسلين – وهم جميعا من العرب، بدءا من ابي البشر (آدم) عليه السلام، والذي كان هبوطه الى الأرض في قلب الجزيرة العربية، ومرورا بأبي الانبياء (ابراهيم) عليه السلام، وانتهاء بخاتم الانبياء والمرسلين (محمد) صلى الله عليه وسلم، الذي شيد صرح هذا التوحيد – كحضارة واحدة وأمة واحدة الى يوم الدين، وتبلغ اللغة العربية منتهى القداسة في القرآن الكريم فهي قداسة نورانية طاهرة يفيض بها كل حرف من حروفه، وكلمة من كلماته، وجملة من جمله، وكل آية آياته، وسورة من سوره.
خلود اللغة العربية:
اللغة العربية لغة خالدة وخلودها سرمدي تجددي مبدع، كونه خلودا يبدأ في الازل ويصب في الابد – مهيمنا بذلك على كامل الزمان ولكنه خلود تجددي وخلود تطوريا موجبا، يتكيف ويتلاءم في صيرورته وكينونته مع كل عصر، وهو خلود يفيض بالخير والغطاء، اما سر هذا الخلود السرمدي التجددي المبدع للغة العربية فكامن فيما يلي:
اولا: اللغة الوحيدة التي اصطفاها الله لتكن لغة البشر المطلقة امة واحدة – وعليه يجب ان تكون خالدة.
ثانيا: ان هذه اللغة – هي لغة اصيلة التي توجب الخلود السرمدي التجددي المبدع، كالقدم الأزلي، والتمام المطلق، والجمال المثالي، والقداسة النورانية، كما تشتمل على مزايا العراقة والعظمة والفخامة والسؤدد والرفعة.
ثالثا: في كون هذه اللغة هي لغة القرآن الكريم، فهذا الكتاب الالهي الفرد هو كتاب خالد، بل مطلق الخلود، وبذلك فهو باق أبد الدهر على حاله العربية الأولى، التي تنزل بها على الرسول العربي الأعظم (محمد) صلى الله عليه وسلم حيث يقول سبحانه ” انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون” (سورة الحجر آية 9)، فهي باقية في حفظ الله الى يوم الدين.
ان هذه اللغة غير خاضعة لعوامل الضعف او التحلل او التحجر او الاضمحلال، وهي العوامل التي تخضع لها جميع لغات العالم الأخرى، كما ان لديها القدرة على مجابهة كل ما يمكن أن تتعرض له من افساد وهدم وتخريب – اذا هي فعلا لغة الخلد والخلود.
نبذة مختصرة عن اللغة العربية
اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية – وكان المقترح من المغرب والسعودية في 18/12/ 1973م.
تم انشاء الجمعية اليمنية لتعريب العلوم: وكان الاجتماع التأسيسي في 30/ اكتوبر/ 2002م
والاجتماع الانتخابي الأول في 22 اكتوبر 2008م، وكان الملتقى العلمي الأول للجمعية 27 – 28/سبتمبر 2005م تحت شعار “التعريب هوية وبعد حضاري” وبالذات تعريب العلوم التطبيقية.
وهناك العديد من المؤتمرات والندوات التي عقدت على مستوى الوطن العربي مثل:
- ندوة الارقام العربية والمواصفات القياسية 2003م.
- ندوة توظيف تقنيات المعلوماتية والاتصالات في التعليم – دمشق 2003م.
- ندوة ” المواصفات العالمية للجامعات” عدن 2003م.
- ندوة “آفاق البحث العلي والتطوير التكنولوجي في العالم العربي” – الرياض 2004م.
- ندوة ” المسؤولين عن تعريب التعليم العالي في الوطن العربي” الخرطوم 2004م.
- المؤتمر السنوي لتعريب العلوم – القاهرة 2006م.
- ندوة دولية حول “تطوير مناهج التعليم العالي لتحسين الجودة والاداء خدمة لقضايا التنمية في العالم الاسلامي” – صنعاء 2005م.
- المؤتمر الدولي للغات والترجمة – عمان 2005م.
وأشادت الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتننمية المستدامة بالورشة العلمية التي اقامتها كلية اللغات والترجمة وتعتبرها بداية انطلاق عملية تعريب العلوم التطبيقية في بلادنا.
وأوصت بتشكيل لجنة عليا بالتنسيق مع الجمعية اليمنية لتعريب العلوم – لاستعادة نشاط الجمعية ووضع الأسس العلمية لتعريب العلوم في جامعة عدن – والجامعات الأهلية الوطنية.
وتعتبر الجمعية عملية الترجمة وتعريب العلوم قضية وطنية وقومية هامة لا يجب تجاهلها وتحث الجهات المعنية على تشجيع الابحاث العلمية باللغة العربية.
تقوية التدريس باللغة العربية – تحتاج الى مجهود كبير من قبل القائمين على التعليم فلذا نرى بان تأهيل الكادر المعلم والاستاذ واجبة اكان ذلك التأهيل داخليا او خارجيا.
وشارك د. ثابت سالم العزب بكلمات شعر كتبها عام
30/12/2021م
(1)
اقرأ.. انا عربي.. وتلك هويتي لغتي الجميلة انها عنواني
تنزيل من رب السماء لمحمد صلى عليك الله يا الــــعدنان
الله قدرها لنا في عـــــــــــزة اقرأوا … قول الله في القرآن
من عهد آدم كانت الفصحى لنا وبها نخاطب انسنا والجان
سام ابن نوح قد غزل كلماتها سامية ضاءت لها الأكوان
هود واسماعيل قد طربوا لها لغة البشر فصحى عظيم الشآن
بل انها لغة المحبة في الدنا وفي جنة المأوى للثقلان
عربية فصحى وان فروعها في كل آية قالها الرحمن
فاذا اراد العالمين سلامـــــــة لغتي هي لغة السلام الحان
لغة الاله تخاطبا ومحبة من دونها لا عفو ولا احسان
لغت العرب .. لكناتها وحروفها وصروفها لا يختلف اثنان
عربيتي أم اللغات جميعها فلما العلوم ينالها العجمان
لغتي هي لغت العلوم من الأزل وأسأل اذا قد صابك التوهان
في العلم كم من كاتب ومناظر أسس علوما محكم الأركان
لغة العرب فخرا لماض زاهر ولحاضر فجمالها رباني
أصل اللغات العالمية جلها بل كلها تصبو الى النسيان
ان اللسان اذا جهلها أعجمي فيقال اعراب-عجم.. سيان
كم احرف تصعب لغات نطقها لـــكن لغتنا تنطق بمعان
فاذا تفاخر بالأعجمية أعرب فبلا حياء … بل لهم وجهان
وبلا هوية بل نقول لهم إذا سقط القناع فأنتم عريان