اخبار

مفاهيم خاطئة للكمبوست أدت إلى انحرافات

 

 

 

الكمبوست (Compost) يُعد من أبرز الابتكارات البيئية في تحسين خصائص التربة الزراعية وتعزيز إنتاجيتها، لكنه لا يزال موضوع جدل واسع في العالم العربي، خاصة مع إدخال مفهوم الكمبوست الهوائي (Aerobic Composting) حديثًا. هذا المصطلح غالبًا ما يُساء فهمه أو يُخلط بينه وبين الكمبوست اللاهوائي (Anaerobic Composting).

لقد شاع بين الكثيرين اعتبار الكمبوست “سمادا”، لكنه في الحقيقة ليس كذلك بالمعنى الدقيق؛ فهو مخصب للتربة (Soil Conditioner)، يعمل على تحسين خواصها الفيزيائية والكيميائية، بالإضافة إلى تغذية النبات. هذا يجعله منتجا مزدوج الوظيفة، يفوق بكثير الأسمدة التقليدية التي تركز فقط على تغذية النبات.

وربما نشأ هذا الالتباس بسبب الترجمة غير الدقيقة لمصطلح الكمبوست، مما أدى إلى جدال غير مثمر بين المختصين حول طبيعة الكمبوست واستخداماته. بدلا من تعزيز النقاش العلمي، وأدى سوء الفهم إلى التمسك بآراء خاطئة خشية فقدان المركز او المكانة العلمية أو المهنية أو المالية…

إن الكمبوست الهوائي واللاهوائي هما عمليتان مختلفتان تماما من حيث الإنتاج والخصائص؛ فالكمبوست الهوائي يعتمد على وجود الأكسجين، مما يُسرّع من عملية التحلل. بينما ينتح الكمبوست اللاهوائي في غياب الأكسجين، حيث يتم تخزين المواد العضوية في بيئات مغلقة ليتحلل ببطء.
كما أن الهوائي قد يستغرق أسابيع إلى بضعة أشهر فقط بينما اللاهوائي قد يحتاج إلى شهور أو حتى سنوات.
والهوائي ينتج حرارة عالية وثاني أكسيد الكربون، مما يقتل مسببات الأمراض والبذور غير المرغوبة. بينما اللاهوائي ينتج الميثان (CH₄) ورائحة كريهة نسبيًا، مما قد يتطلب معالجة إضافية.
وغالبا الهوائي ما يكون أكثر توازنا في العناصر المغذية وقادرا على تحسين خصائص التربة بفعالية أكبر. بينما اللاهوائي قد يحتوي على مركبات غير مستقرة تحتاج إلى معالجة قبل الاستخدام.

وهناك سوء فهم شائع آخر يتعلق بالخامات العضوية المستخدمة في إنتاج الكمبوست الهوائي. يجب أن تكون هذه المواد غنية بالعناصر المغذية، ومتوازنة بين الكربون والنيتروجين (C/N Ratio). وللأسف قد حصل لدى المتخصصين والمنتجين انحراف في اختيار المواد أدى إلى إنتاج كمبوست منخفض الجودة.

ويعتقد البعض أن الكمبوست يمكن أن يغني تماما عن الأسمدة الكيماوية لاحتوائه على نسب من عناصر الـ(NPK) (النيتروجين، الفوسفور، البوتاسيوم). هذا الادعاء غير دقيق؛ فالكمبوست يقلل من الاعتماد على الأسمدة ولكنه لا يلغي الحاجة إليها بالكامل. دوره الأساسي هو تحسين خصائص التربة مع توفير تغذية معتدلة للنبات.

والخلاصة أن الكمبوست ليس مجرد منتج زراعي؛ بل هو نظام بيئي مصغر يجمع بين تغذية النبات وتحسين التربة، مما يجعله أداة فعّالة لتحقيق الاستدامة الزراعية. والفهم العلمي الدقيق للكمبوست الهوائي واللاهوائي، بجانب استخدام الخامات المناسبة، يضمن تحقيق أقصى استفادة منه. ولتجنب الجدل العقيم، ينبغي تعزيز النقاش العلمي وتحديث المعارف بما يتماشى مع التطورات الحديثة. قال تعالى:
{.. نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
والله تعالى أعلم!

 

حسن الكنزلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى